1. مقدمة عن العائلة المقدسة
تُعد العائلة المقدسة، المكونة من يسوع المسيح، والسيدة العذراء مريم، والقديس يوسف النجار، نموذجاً أسمى للعائلة المسيحية. حياتهم كانت مثالاً للطاعة، التضحية، المحبة، والإيمان العميق بالله. لم تكن حياتهم خالية من التحديات، بل كانت مليئة بالأحداث التي أظهرت عناية الله الفائقة بهم وقيادته الإلهية في كل خطوة.
سنتتبع في هذه الصفحة الخطوات الرئيسية لحياتهم على الأرض، بدءًا من البشارة مروراً بميلاد المخلص، هروبهم إلى مصر، وعودتهم إلى الناصرة، لنستلهم من حياتهم الدروس والعبر الروحية.
أيقونة تصور العائلة المقدسة: السيدة العذراء مريم، القديس يوسف، والطفل يسوع.
2. البشارة وميلاد المسيح
البشارة للسيدة العذراء
بدأت قصة العائلة المقدسة بحدث البشارة العظيم، حيث أرسل الله الملاك جبرائيل إلى العذراء مريم في الناصرة ليبشرها بأنها ستحبل وتلد ابنًا تدعوه يسوع، وسيكون ابن العلي (لوقا 1: 26-38). رغم حيرتها، قالت مريم: "هوذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك."
ميلاد الرب يسوع
عندما صدر أمر من قيصر أوغسطس باكتتاب جميع المسكونة، اضطر يوسف ومريم الحامل أن يذهبا إلى بيت لحم، مدينة داود، لأنهما كانا من بيت داود وعشيرته. وفي بيت لحم، ولد الرب يسوع في مذود حقير، لعدم وجود موضع لهما في المنزل (لوقا 2: 1-7). هذا الميلاد المتواضع كان بداية لخلاص البشرية.
أيقونة الميلاد المقدس في بيت لحم.
3. زيارة المجوس والهرب إلى مصر
زيارة المجوس
بعد ميلاد المسيح، جاء مجوس من المشرق إلى أورشليم يتبعون نجمًا، ليسألوا عن ملك اليهود المولود. بعد إرشادهم إلى بيت لحم، وجدوا الطفل وسجدوا له وقدموا له هداياهم الثمينة: ذهبًا ولبانًا ومرًا (متى 2: 1-12).
التحذير والهروب إلى مصر
بينما كان المجوس يستعدون للعودة، حذرهم الله في حلم ألا يرجعوا إلى هيرودس الملك الذي كان ينوي قتل الطفل. وفي الوقت نفسه، ظهر ملاك الرب ليوسف في حلم وأمره أن يأخذ الصبي وأمه ويهرب إلى مصر، لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه. فقام يوسف على الفور في تلك الليلة وأخذ العائلة إلى مصر (متى 2: 13-15).
أيقونة تصور رحلة العائلة المقدسة الشاقة إلى مصر.
4. إقامة العائلة المقدسة في مصر
تُعتبر فترة إقامة العائلة المقدسة في مصر حدثًا ذا أهمية كبرى في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، حيث يُعتقد أنها باركت العديد من الأماكن التي مرت بها أو أقامت فيها. استمرت إقامتهم في مصر حوالي ثلاث سنوات ونصف.
مسار الرحلة في مصر
يُعتقد أن العائلة المقدسة دخلت مصر من رفح وسارت في مسار طويل شمل:
- **العريش والفرما (بيلوزيوم):** أولى المحطات في شمال سيناء.
- **تل بسطة (بوباستيس):** حيث يُقال إن الأصنام سقطت عند دخول المسيح.
- **المسطرد (المحمة):** ويُعرف بـ "المحمة" أي مكان الاستحمام، حيث استحموا في عين ماء.
- **بلبيس:** أقاموا فيها فترة وجيزة تحت شجرة.
- **منية سمنود:** حيث حننت السيدة العذراء عجوزاً كانت تكن العداء للمسيحيين.
- **سخا (قها):** يوجد بها أثر قدم المسيح في صخرة.
- **وادي النطرون:** منطقة الأديرة الشهيرة، ويُعتقد أنهم مروا بها.
- **عين شمس والمطرية:** شجرة مريم التي تظل قائمة حتى الآن، وبئر الماء.
- **القاهرة القديمة (مصر القديمة):** أقامت العائلة في مغارة، وهو المكان الذي بنيت عليه كنيسة أبي سرجة حالياً.
- **المعادي:** ومنها عبروا النيل متجهين جنوبًا.
- **الصعيد (جبل الطير، الأشمونين، القوصية، دير المحرق، أسيوط):** امتدت رحلتهم جنوباً حتى وصلوا إلى أقصى الصعيد حيث أقاموا أطول فترة في دير المحرق (يعرف باسم “الوطن الثاني” للمسيح).
كل موقع من هذه المواقع يحمل قصصًا ومعجزات ارتبطت بوجود العائلة المقدسة، وأصبحت مزارات مقدسة للمسيحيين.
مسار رحلة العائلة المقدسة في أرض مصر، باركت فيه العديد من الأماكن.
5. العودة إلى الناصرة والنمو في الحكمة والقامة
بعد موت هيرودس، ظهر ملاك الرب ليوسف في حلم في مصر وأمره بالعودة إلى أرض إسرائيل. وبالفعل، قام يوسف وأخذ الطفل وأمه وعادوا. لكنه لما سمع أن أرخيلاوس ملك على اليهودية عوضًا عن هيرودس أبيه، خاف أن يذهب إلى هناك. وإذ أوحي إليه في حلم، انصرف إلى نواحي الجليل، وأتى وسكن في مدينة تُدعى الناصرة، لكي يتم ما قيل بالأنبياء إنه سيُدعى ناصريًا (متى 2: 19-23).
وفي الناصرة، "كان الصبي ينمو ويتقوى بالروح، ممتلئًا حكمة، وكانت نعمة الله عليه" (لوقا 2: 40). هذا يؤكد النمو الطبيعي للرب يسوع كإنسان، بينما كانت طبيعته الإلهية كامنة فيه.
أيقونة تصور عودة العائلة المقدسة إلى الناصرة بعد انتهاء فترة الهروب.
6. حياة العائلة المقدسة في الناصرة
قضت العائلة المقدسة معظم سنوات حياة المسيح الأولى في مدينة الناصرة. كانت حياتهم تتسم بالبساطة والعمل الجاد والتقوى. كان القديس يوسف يعمل نجارًا، ويعتقد أن المسيح تعلم منه هذه المهنة أيضًا، مما يعكس تواضعه واندماجه في الحياة اليومية للبشر.
كانت السيدة العذراء مريم نموذجًا للأم الصالحة التي تحفظ كل الأمور متأملة بها في قلبها. عاشت العائلة في طاعة كاملة لشريعة الله، ملتزمة بالذهاب إلى الهيكل سنويًا في الأعياد اليهودية، مما يؤكد على أهمية الطقوس والعبادة في حياتهم.
7. المسيح في الهيكل (سن 12 سنة)
في سن الثانية عشرة، صعد يسوع مع والديه إلى أورشليم حسب عادة العيد. وعندما أكملوا الأيام ورجعوا، بقي الصبي يسوع في أورشليم ويوسف وأمه لم يعلما. وبعد ثلاثة أيام، وجداه في الهيكل جالسًا في وسط المعلمين، يسمعهم ويسألهم، وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته (لوقا 2: 41-50).
هذه الحادثة هي الإشارة الوحيدة في الأناجيل القانونية عن فترة طفولة ومراهقة المسيح بعد العودة من مصر وقبل بدء خدمته العلنية، وتُبرز حكمته الإلهية منذ صغره.
8. الدروس المستفادة من حياة العائلة المقدسة
تقدم لنا حياة العائلة المقدسة دروسًا روحية عميقة يمكننا تطبيقها في حياتنا اليومية:
- **الطاعة والتواضع:** مثال السيدة العذراء في قبولها مشيئة الله، والقديس يوسف في طاعته للأوامر الإلهية رغم صعوبتها.
- **الثقة في العناية الإلهية:** الاعتماد الكامل على الله في مواجهة المخاطر والصعاب (مثل الهروب إلى مصر).
- **المحبة والتضحية:** تضحية القديس يوسف براحته من أجل حماية العائلة.
- **العمل الجاد والبساطة:** حياة العائلة في الناصرة التي كانت تتسم بالبساطة والكد.
- **أهمية التربية الروحية:** نمو المسيح "في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس"، والذي كان بتوجيه والديه.
- **الصبر والإيمان:** تحملهم للمشقات بصبر وثقة في خطة الله.
9. الأيقونات الفنية للعائلة المقدسة
لطالما كانت العائلة المقدسة مصدر إلهام للفنانين عبر العصور، حيث جسدوها في أيقونات ولوحات فنية رائعة. تُظهر هذه الأعمال الفنية في الغالب السيدة العذراء وهي تحتضن الطفل يسوع، والقديس يوسف وهو يحميهما. تُعد هذه الأيقونات ليست مجرد أعمال فنية، بل هي نوافذ روحية تساعد المؤمنين على التأمل في قداسة هذه العائلة وتأثيرها على تاريخ الخلاص.
تحتفظ العديد من الكنائس والمتاحف بأيقونات نادرة للعائلة المقدسة، وتُقام الاحتفالات الخاصة لتكريمهم، خاصة في الكنيسة القبطية التي تفتخر بكونها "أرض العائلة المقدسة".
أيقونة قبطية تصور العائلة المقدسة في مصر.